فصل: تفسير الآيات (31- 35):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير القرآن العظيم (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (31- 35):

{وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ (31) قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (32) وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ (33) إِنَّا مُنزلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (34) وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (35)}.
لما استنصر لوط عليه السلام، الله عليهم، بعث الله لنصرته ملائكة فمروا على إبراهيم عليه السلام، في هيئة أضياف، فجاءهم بما ينبغي للضيف، فلما رأى أنه لا همَّة لهم إلى الطعام نَكِرَهم، وأوجس منهم خيفة، فشرعوا يؤانسونه ويبشرونه بوجود ولد صالح من امرأته سارة- وكانت حاضرة- فتعجبت من ذلك، كما تقدم بيانه في سورة هود والحجر. فلما جاءت إبراهيم بالبشرى، وأخبروه بأنهم أرسلوا لهلاك قوم لوط، أخذ يدافع لعلهم يُنظَرون، لعل الله أن يهديهم، ولما قالوا: {إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ}، {قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ} أي: من الهالكين؛ لأنها كانت تمالئهم على كفرهم وبغيهم ودبرهم. ثم ساروا من عنده فدخلوا على لوط في صورة شباب حسان، فلما رآهم كذلك، {سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا} أي: اهتمَّ بأمرهم، إن هو أضافهم خاف عليهم من قومه، وإن لم يضفهم خشي عليهم منهم، ولم يعلم بأمرهم في الساعة الراهنة. {قَالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ. إِنَّا مُنزلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}، وذلك أن جبريل عليه السلام اقتلع قراهم من قرار الأرض، ثم رفعها إلى عَنَان السماء، ثم قلبها عليهم. وأرسل الله عليهم حجارة من سجيل منضود، مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد، وجعل الله مكانها بحيرة خبيثة منتنة، وجعلهم عبرة إلى يوم التناد، وهم من أشد الناس عذابا يوم المعاد؛ ولهذا قال تعالى: {وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً} أي: واضحة، {لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ}، كَمَا قَالَ {وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ * وَبِاللَّيْلِ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الصافات: 137، 138].

.تفسير الآيات (36- 37):

{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الآخِرَ وَلا تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ (36) فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (37)}.
يخبر تعالى عن عبده ورسوله شعيب عليه السلام، أنه أنذر قومه أهل مَدين، فأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له، وأن يخافوا بأس الله ونقمته وسطوته يوم القيامة، فقال: {يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الآخِرَ}.
. قال ابن جرير: قال بعضهم: معناه: واخشوا اليوم الآخر، وهذا كقوله تعالى: {لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ} [الممتحنة: 6].
ثم نهاهم عن العيث في الأرض بالفساد، وهو السعي فيها والبغي على أهلها، وذلك أنهم كانوا ينقصون المكيال والميزان، ويقطعون الطريق على الناس، هذا مع كفرهم بالله ورسوله، فأهلكهم الله برجفة عظيمة زلزلت عليهم بلادهم، وصيحة أخرجت القلوب من حناجرها. وعذاب يوم الظلة الذي أزهق الأرواح من مستقرها، إنه كان عذاب يوم عظيم. وقد تقدمت قصتهم مبسوطة في سورة الأعراف، وهود، والشعراء.
وقوله: {فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ}، قال قتادة: ميتين.
وقال غيره: قد ألقي بعضهم على بعض.

.تفسير الآيات (38- 40):

{وَعَادًا وَثَمُودَ وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ (38) وَقَارُونَ وَفِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مُوسَى بِالْبَيِّنَاتِ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأرْضِ وَمَا كَانُوا سَابِقِينَ (39) فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40)}.
يخبر تعالى عن هؤلاء الأمم المكذبة للرسل كيف أبادهم وتنوع في عذابهم، فأخذهم بالانتقام منهم، فعاد قوم هود، وكانوا يسكنون الأحقاف وهي قريبة من حضرموت بلاد اليمن، وثمود قوم صالح، وكانوا يسكنون الحجر قريبًا من وادي القرى. وكانت العرب تعرف مساكنهما جيدا، وتمر عليها كثيرًا. وقارون صاحب الأموال الجزيلة ومفاتيح الكنوز الثقيلة. وفرعون ملك مصر في زمان موسى ووزيره هامان القبطيان الكافران بالله ورسوله.
{فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} أي: كانت عقوبته بما يناسبه، {فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا}، وهم عاد، وذلك أنهم قالوا: مَنْ أشدُّ منا قوة؟ فجاءتهم ريح صرصر باردة شديدة البرد، عاتية شديدة الهبوب جدا، تحمل عليهم حصباء الأرض فتقلبها عليهم، وتقتلعهم من الأرض فترفع الرجل منهم إلى عَنَان السماء، ثم تنكسه على أم رأسه فتشدخه فيبقى بدنًا بلا رأس، كأنهم أعجاز نخل منقعر. {وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ}، وهم ثمود، قامت عليهم الحجة وظهرت لهم الدلالة، من تلك الناقة التي انفلقت عنها الصخرة، مثل ما سألوا سواء بسواء، ومع هذا ما آمنوا بل استمروا على طغيانهم وكفرهم، وتهددوا نبي الله صالحا ومَنْ آمن معه، وتوعَّدوهُم بأن يخرجوهم ويرجموهم، فجاءتهم صيحة أخمدت الأصوات منهم والحركات. {وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأرْضَ}، وهو قارون الذي طغى وبغى وعتا، وعصى الرب الأعلى، ومشى في الأرض مرحًا، وفرح ومرح وتاه بنفسه، واعتقد أنه أفضل من غيره، واختال في مشيته، فخسف الله به وبداره الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة. {وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا}، وهم فرعون ووزيره هامان، وجنوده عن آخرهم، أغرقوا في صبيحة واحدة، فلم ينج منهم مخبر، {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ} أي: فيما فعل بهم، {وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} أي: إنما فعل ذلك بهم جزاء وفاقا بما كسبت أيديهم.
وهذا الذي ذكرناه ظاهر سياق الآية، وهو من باب اللف والنشر، وهو أنه ذكر الأمم المكذبة، ثم قال: {فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ} الآية، أي: من هؤلاء المذكورين، وإنما نبهتُ على هذا لأنه قد روي أن ابن جريج قال: قال ابن عباس في قوله: {فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا}، قال: قوم لوط. {وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا}، قال: قوم نوح.
وهذا منقطع عن ابن عباس؛ فإن ابن جُرْيَج لم يدركه. ثم قد ذكر في هذه السورة إهلاك قوم نوح بالطوفان، وقوم لوط بإنزال الرجز من السماء، وطال السياقُ والفصلُ بين ذلك وبين هذا السياق.
وقال قتادة: {فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا} قال: قوم لوط، {وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ}، قوم شعيب. وهذا بعيد أيضا لما تقدم، والله أعلم.

.تفسير الآيات (41- 43):

{مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ (41) إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (42) وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ (43)}
هذا مثل ضربه الله تعالى للمشركين في اتخاذهم آلهة من دون الله، يرجون نصرهم ورزقهم، ويتمسكون بهم في الشدائد، فهم في ذلك كبيت العنكبوت في ضعفه ووهنه فليس في أيدي هؤلاء من آلهتهم إلا كمَنْ يتمسك ببيت العنكبوت، فإنه لا يجدي عنه شيئا، فلو عَلموا هذا الحال لما اتخذوا من دون الله أولياء، وهذا بخلاف المسلم المؤمن قلبه لله، وهو مع ذلك يحسن العمل في اتباع الشرع فإنه مستمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها، لقوتها وثباتها.
ثم قال تعالى متوعدا لِمَنْ عبد غيره وأشرك به: إنه تعالى يعلم ما هم عليه من الأعمال، ويعلم ما يشركون به من الأنداد، وسيجزيهم وصفهم إنه حكيم عليم.
ثم قال تعالى: {وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ} أي: وما يفهمها ويتدبرها إلا الراسخون في العلم المتضلعون منه.
قال الإمام أحمد: حدثنا إسحاق بن عيسى، حدثني ابن لَهِيعة، عن أبي قَبِيل، عن عمرو بن العاص، رضي الله عنه، قال: عَقَلْتُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف مثل.
وهذه منقبة عظيمة لعمرو بن العاص- رضي الله عنه- حيث يقول الله تعالى: {وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ}.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا أحمد بن عبد الرحمن، حدثنا أبي، حدثنا ابن سنان، عن عمرو بن مرة قال: ما مررت بآية من كتاب الله لا أعرفها إلا أحزنني، لأني سمعت الله تعالى يقول: {وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ}.

.تفسير الآيات (44- 45):

{خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ (44) اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45)}.
يقول تعالى مخبرا عن قدرته العظيمة: أنه خلق السموات والأرض بالحق، يعني: لا على وجه العبث واللعب، {لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} [طه: 15]، {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم: 31].
وقوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ} أي: لدلالة واضحة على أنه تعالى المتفرد بالخلق والتدبير والإلهية.
ثم قال تعالى آمرا رسوله والمؤمنين بتلاوة القرآن، وهو قراءته وإبلاغه للناس: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} يعني: أن الصلاة تشتمل على شيئين: على ترك الفواحش والمنكرات، أي: إن مواظبتها تحمل على ترك ذلك. وقد جاء في الحديث من رواية عمران، وابن عباس مرفوعا: «مَنْ لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، لم تزده من الله إلا بعدا».
ذكر الآثار الواردة في ذلك:
قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن هارون المخرمي الفلاس، حدثنا عبد الرحمن بن نافع أبو زياد، حدثنا عمر بن أبي عثمان، حدثنا الحسن، عن عمران بن حصين قال: سُئِل النبي صلى الله عليه وسلم عن قول الله: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} قال: «مَنْ لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، فلا صلاة له».
وحدثنا علي بن الحسين، حدثنا يحيى بن أبي طلحة اليربوعي حدثنا أبو معاوية، عن ليث، عن طاوس، عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر، لم يزدد بها من الله إلا بعدا».
ورواه الطبراني من حديث أبي معاوية.
وقال ابن جرير: حدثنا القاسم، حدثنا الحسين، حدثنا خالد بن عبد الله، عن العلاء بن المسيب، عمن ذكره، عن ابن عباس في قوله: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} قال: فَمَنْ لم تأمره صلاته بالمعروف وتنهه عن المنكر، لم يزدد بصلاته من الله إلا بعدا. فهذا موقوف.
قال ابن جرير: وحدثنا القاسم، حدثنا الحسين، حدثنا علي بن هاشم بن البريد، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن مسعود، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا صلاة لِمَنْ لم يطع الصلاة، وطاعة الصلاة أن تنهى عن الفحشاء والمنكر». قال: وقال سفيان: {قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ} [هود: 87] قال: فقال سفيان: أي والله، تأمره وتنهاه.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشَجّ، حدثنا أبو خالد، عن جويبر، عن الضحاك، عن عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم- وقال أبو خالد مَرَّة: عن عبد الله-: «لا صلاة لِمَنْ لم يطع الصلاة، وطاعة الصلاة تنهاه عن الفحشاء والمنكر».
والموقوف أصح، كما رواه الأعمش، عن مالك بن الحارث، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: قيل لعبد الله: إن فلانا يطيل الصلاة؟ قال: إن الصلاة لا تنفع إلا من أطاعها.
وقال ابن جرير: قال علي: حدثنا إسماعيل بن مسلم، عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى صلاة لم تنهه عن الفحشاء والمنكر، لم يزدد بها من الله إلا بُعْدا».
والأصح في هذا كله الموقوفات عن ابن مسعود، وابن عباس، والحسن وقتادة، والأعمش وغيرهم، والله أعلم.
وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا يوسف بن موسى، حدثنا جرير- يعني ابن عبد الحميد- عن الأعمش، عن أبي صالح قال: أراه عن جابر- شك الأعمش- قال: قال رجل للنبي صلى الله عليه وسلم: إن فلانا يصلي فإذا أصبح سرق، قال: «سينهاه ما يقول».
وحدثنا محمد بن موسى الحَرشي حدثنا زياد بن عبد الله، عن الأعمش عن أبي صالح، عن جابر، عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه- ولم يشك- ثم قال: وهذا الحديث قد رواه غير واحد عن الأعمش واختلفوا في إسناده، فرواه غير واحد عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة أو غيره، وقال قيس عن الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، وقال جرير وزياد: عن عبد الله، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن جابر.
وقال الإمام أحمد: حدثنا وَكِيع، حدثنا الأعمش قال: أنبأنا أبو صالح عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن فلانا يصلي بالليل فإذا أصبح سرق؟ فقال: «إنه سينهاه ما يقول».
وتشتمل الصلاة أيضا على ذكر الله تعالى، وهو المطلوب الأكبر؛ ولهذا قال تعالى: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} أي: أعظم من الأول، {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} أي: يعلم جميع أقوالكم وأعمالكم.
وقال أبو العالية في قوله: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ}، قال: إن الصلاة فيها ثلاث خصال فكل صلاة لا يكون فيها شيء من هذه الخلال فليست بصلاة: الإخلاص، والخشية، وذكر الله. فالإخلاص يأمره بالمعروف، والخشية تنهاه عن المنكر، وذكر القرآن يأمره وينهاه.
وقال ابن عَوْن الأنصاري: إذا كنت في صلاة فأنت في معروف، وقد حجزتك عن الفحشاء والمنكر، والذي أنت فيه من ذكر الله أكبر.
وقال حماد بن أبي سليمان: {إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ} يعني: ما دمت فيها.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ}، يقول: ولذكر الله لعباده أكبر، إذا ذكروه من ذكرهم إياه.
وكذا روى غير واحد عن ابن عباس. وبه قال مجاهد، وغيره.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا أبو خالد الأحمر، عن داود بن أبي هند، عن رجل، عن ابن عباس: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} قال: ذكر الله عند طعامك وعند منامك. قلت: فإن صاحبًا لي في المنزل يقول غير الذي تقول: قال: وأي شيء يقول؟ قلت: قال: يقول الله: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة: 152]، فلذكر الله إيانا أكبر من ذكرنا إياه. قال: صدق.
قال: وحدثنا أبي، حدثنا النفيلي، حدثنا إسماعيل، عن خالد، عن عِكْرِمة، عن ابن عباس في قوله: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ} قال: لها وجهان، قال: ذكر الله عندما حرمه، قال: وذكر الله إياكم أعظم من ذكركم إياه.
وقال ابن جرير: حدثني يعقوب بن إبراهيم، حدَّثنا هُشَيْم، أخبرنا عطاء بن السائب، عن عبد الله بن ربيعة قال: قال لي ابن عباس: هل تدري ما قوله تعالى: {وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ}؟ قال: قلت: نعم. قال: فما هو؟ قلت: التسبيح والتحميد والتكبير في الصلاة، وقراءة القرآن، ونحو ذلك. قال: لقد قلت قولا عجبًا، وما هو كذلك، ولكنه إنما يقول: ذكر الله إياكم عندما أمر به أو نهى عنه إذا ذكرتموه، أكبر من ذكركم إياه.
وقد روي هذا من غير وجه عن ابن عباس. وروي أيضا عن ابن مسعود، وأبي الدرداء، وسلمان الفارسي، وغيرهم. واختاره ابن جرير.